تصنيفات

هذه المقالة هي[part not set] من 28 سلسلة مقالات الرد العلمي على ممارسات الطاقة

بعد الاطلاع على بعض كتب ومحاضرات المتخصصين فيما يسمى بـ”قانون الجذب” ، وبعدما تكرر منهم كثرة الحديث عن مفاهيم فيزيائية بتفسيرات مغلوطة، ويدّعون أنها الأساس العلمي له ، وجب علينا من باب الإختصاص أن نبين الأساس العلمي الباطل الذي يستندون عليه ، ولست أتحدث ها من وجهة نظر دينية ، بل من وجهة نظر علمية بحته حول جميع المغالطات التي تكتنف قانونهم المزعوم. إن البحث عن الحقيقة لا يعني أن نبحث عن إجابات مقنعة فقط لما نتسائل عنه بل أن تكون هذه الإجابات الصحيحة . وهذا الأمر لا يتم الا وفق منهجية علمية وفكرية متزنة معتمدة في الأوساط العلمية.

وأختصر المحاور التي يتضمنها هذا المقال في ثلاثة محاور كما يلي:

1.      علمياً ما يسمى بـ”قانون الجذب” ليس قانوناً .

2.      بطلان الأساس العلمي لما يسمى بـ”قانون الجذب” .

3.      بيان حقيقة أساس ما يسمى بـ”قانون الجذب” .

 

المحور الأول: علمياً ما يسمى بـ”قانون الجذب” ليس قانوناً.

قبل البحث في مدى صحة ما يسمى بـ”قانون الجذب” يجب أن نفهم أولا ما هي منهجية البحث العلمي وما هو الفرق بين كل من الفرضية والنظرية والقانون من وجهة نظر علمية ، لأن فهم هذه المقدمات سيساعد بشكل كبير في إدراك الأسباب التي نؤسس عليها بطلان ما يسمى بـ”قانون الجذب” علميا وأنه لا يمكن أن يكون قانوناً بالمفهوم العلمي.

أولاً: الفرضية والنظرية والقانون والمنهج العلمي:

وبالرغم من تنوع التعاريف في الأوساط العلمية إلا أنها جميعها تتحدث عن المعانى ذاتها . فالفرضية (Hypothesis) هي مقترح يشرح ظاهرة معينة مبني على تصورات معينة ، وحتى تكون الفرضية مقبولة علميا يجب أن تكون ضمن نظرية مثبتة علميا وتجريبيا ، أما النظرية (Theory) فهي مجموعة فرضيات تشرح ظاهرة معينة تم تأكيد صحتها عبر المشاهدات (Observations) والتجارب (Experiments) المؤكد صحتها دون وجود تجربة واحده تدحضها.وكذلك القانون (Law) فهو القواعد النظرية التي تصف كيفية حدوث أمر ما اعتمادا على صحة التجارب المختبرية دون وجود تجربة واحدة خاطئة.

لتوضيح ذلك: فقانون الجذب العام لنيوتن يشرح بمعادلة رياضية (Mathematical Equation) كيف تنجذب الكتل الضخمة لبعضها البعض والتي أثبتتها التجارب دون الخوض في ماهية وجوهر هذا الجذب.

إن بناء النظرية على فرضيات مقبولة علميا أو بناء قانون فيزيائي مقبول في الأوساط العلمية يجب أن يتم وفق منهجية علمية منضبطة والتي تعتمد على نوع العلم .

فالمنهجية (Methodology) ليست حل مشكلة ما، بل هي مجموعة أدوات معرفية (منطق وتقنيات) في طريقة البناء والاستنباط والإثبات والنفي، والتي تساعد في الوصول للحلأو صياغة قانون أو بناء نظرية. فكل نظرية وقانون تم بناؤهما وفق منهجية مقبولة في الأوساط العلمية واي خلل قد يشوب المنهجية يرجع سلباً على صحة النظرية أو القانون.

قدم العالم كارل بوبر2 (Karl Popper)  مفهوما يضع حداً فاصلا بين الحقائق العلمية وبين الخزعبلات ألا وهو (Falsifiability) والذي يعني “قابلية القانون أو النظرية لإمكانية إثبات خطئه“، حيث يقول كارل بوبر في ما معناه: (إن صحة النظرية ليست في كثرة الشواهد والتجارب المعملية التي تثبت صحتها فقط إنما أيضا في قابلية النظرية للإختبار “Testability” بطريقة تنقضها) ، إذا وجدت الطريقة التي تحمل إمكانية نقض النظرية لكن فشلت هذه الطريقة في النقض ، فإن هذا الأمر يعطي دعما أكبر لصلابة وقوة النظرية أو القانون ، وأي نظرية لا تمتلك إمكانية النقض (أي لا يمكن إختبار خطئها من صحتها) فإنها مجرد خزعبلات أو في أحسن أحوالها فرضيات وظنون لا يعتد به علميا .
لكن يستدرك كارل في النهاية فيقول أن الأمور الدينية لا يمكن أن يتم تطبيق هذا المفهوم عليها ، بمعنى أن الآراء أو الأفكار التي لا تخضع للمفهوم الذي يقدمه فهي إما خزعبلات (أو فرضيات لا سند يثبتها) أو عقائد دينية.

لتوضيح هذا المفهوم (Falsifiability) بأمثلة: تحدث أينشتاين عن إنحناء الضوء في الفضاء عندما يمر بالقرب من الكتل الضخمة ، فإذا حاولنا تخطئة قوله (إختبار) فإننا سنحاول أن نرصد ضوءا يأتي من نجم بمكان محدد في الفضاء خلال الكسوف وقبله بفترة زمنية ونقارن بين النتائج، فإذا إختلفت عرفنا أن الضوء انحنى بالقرب من الكتلة الضخمة ، وإذا لم تتغير النتائج عرفنا بطلان كلام أينشتاين . لكن التجربة أثبتت صحة كلامه،  بمعنى أن أينشتاين قدم ما يمكن اختباره وتجاوز الاختبار بنجاح لذا فهي حقيقة علمية.  ولكن في موضع آخر يقول أينشتاين بأن سبب التجاذب بين الكتل الضخمة هو تشوهات وإنبعاجات في نسيج الكون الزمكان (الزمن-مكان)، وعندما نحاول أن نفكر بطريقه أو تجربة نثبت خطأ هذا الكلام أو إختبار مدى صحته ، فإننا سنتسائل أين هذا النسيج وكيف نراه وكيف نعرف أنه مشوه أو ممبعج ؟ لا يوجد طريقة لاختبار صحة هذا الكلام حتى الآن ، لذا فكلام أينشتاين إن لم يكن مجرد تخيلات علمية أو خزعبلات فهو في أفضل أحواله فرضية لا تزال تنتظر الإختبار ولا يحتج بها.

نفهم مما تقدم أن المنهج العلمي يقوم أساسه على الإفتراضات المقبوله عقلا والتي تدعمها شواهد كثيرة ونتائج التجارب المؤكد صحتها بالإضافة الى قابليتها للنقض (الإختبار). كما من المتعارف علية في الأوساط العلمية إن كل نظرية لها حدود في التطبيق وليست مطلقه ، بل يرى العلماء أنه كلما كانت النظرية تنطبق وفق شروط محدده تكون أقوى وأفضل .

إن نظرية “فيزياء الكم” لم تنسف قوانين الحركة الثلاثة وقانون التجاذب الكوني لنيوتن كما يعتقد البعض ، بل جعلتنا نعرف حدود تطبيق نظريات نيوتن والتي تفسر السلوك المادي في حدود مقاييس العين المجرده ، في حين أن فيزياء الكم تفسر السلوك المادي على المستوى الذري. لذا فإن لكل نظرية حدودها في التطبيق وهذا يعطي النظرية قوه وصلابه.

ثانيا: عدم استيفاء ما يسمى بـ”قانون الجذب” شروطه العلمية حتى يسمى قانوناً:

إن ما يسمى بـ”قانون الجذب” بصورته الحالية والذي يقول باختصار: (المتشابهات تجذب المتشابهات) وأنك إذا فكرت في شيء ما بتركيز فإن هذا الشيء سينجذب لك وستحصل عليه . وأن المهم هو أن تفكر في الشيء وتركز عليه وتسأله في داخلك وأنه عندما تكون ذبذباتك متوافقة مع ذبذبات هذا الأمر ، فإنك ستكون قادر على جذبه نحوك واستقباله. كأن نفكر في سيارة وعندما تكون ذبذباتنا متوافقة مع ذبذبات السيارة المطلوبة ، فإننا سنحصل عليها بكل تأكيد.

سبق وأن قلنا أن القانون هو القواعد النظرية التي تصف كيفية حدوث أمر ما اعتمادا على صحة تجارب مختبرية دون وجود تجربة واحدة خاطئة ، وهذا التعريف غير مكتمل الأركان في ما يسمى بـ”قانون الجذب” ، حيث أنه يستند فقط إلى حكايات وأدلة قولية (Anecdotal Evidence) ، وبالإضافة لعدم إمكانية إثباته ولا نقضه تجريبيا ، فنحن ايضا لا نعرف حدود تطبيقه ،ليس هذا فقط انما إدعاءاتهم وتفسيراتهم الفيزيائية مغلوطة (سيتم بيان ذلك تفصيلا في المحور الثاني) ، كل هذه الإشكالات تجعل من غير المقبول علميا يأخذ شكل “قانون” وهو إما أن يكون “فرضيه” التي لا يعتد بها في الحجج العلمية ولا يعمل بها في أي نطاق ، أو أنه مجرد خزعبلات أو عقائد دينية مستورده .

المحور الثاني: بطلان الأساس العلمي لما يسمى بـ”قانون الجذب”


[1]– عضو هيئة تدريس (قسم القوى المحركة – كلية الدراسات التكنولوجية – الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب)

·         بكالريوس جامعة الكويت 2005 – تخصص هندسة ميكانيكية

·         ماجستير جامعة تكساس أوستن 2012 – تخصص نانوتكنولوجي(Nano-mechanics)

·         رابط يشرح طبيعة الأبحاث التي قمت بها خلال دراسة الماجستير: http://www.me.utexas.edu/news/2011/1211_moon_moncrief.php

·         رابط رسالة الماجستير لمن أراد الإطلاع: http://repositories.lib.utexas.edu/bitstream/handle/2152/ETD-UT-2012-05-5296/ALOTAIBI-THESIS.pdf?sequence=1

[2] كارل ريموند كارل پوپر فيلسوف إنكليزي نمساوي المولد. متخصص في فلسفة العلوم. عمل مدرسا في كلية لندن للاقتصاد. يعتبركارل پوپرأحد أهم واغزر المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين كما كتب بشكل موسع عن الفلسفة الاجتماعية والسياسية

تابع سلسلة المقالات