تصنيفات

هذه المقالة هي[part not set] من 28 سلسلة مقالات الرد العلمي على ممارسات الطاقة

مسارو أوموتو  و التلبيس باسم العلم

د. سامي سعيد حبيب

مدير مركز التقنيات متناهية الصغر

جامعة الملك عبد العزيز

sami_habib@maktoob.com

 

شاءت إرادة العليم القدير أن أكون بين جمهور الحاضرين لمحاضرة ( رسالة من الماء )  التي أعيدت تسميتها إلى  ( الماء عند مستوى النانو ) للبرفسور مسارو أوموتو التي ألقيت في جمع غفير بمدينة جدة مساء الأحد الماضي ، و مسارو أوموتو محاضر ياباني واسع الإنتشار على الساحة العالمية و طروحاته عن الماء “الواعي” مثيرة للخلاف بشكل كبير على المستويين العلمي التجريبي و على المستوى الفلسفي ، من الناحية التطبيقية المختبرية فإن المشككين في مصداقية تجارب أوموتو كثيرين و يأخذون عليه على الأقل عدم مشاركته للأوساط العلمية العالمية في تفاصيل تجاربة لدرجة كافية لدرجة  أن رئيس مؤسسة جيمس راندي التعليمية بولاية فلوريدا الأمريكية قد تحدى أوموتو علنياً في إعادة نتائج تجاربه المختبرية طبقاً لما يسمى بالتجارب مزدوجة التعمية في الأوساط العلمية مقابل مليون دولار أمريكي ، و مضى على هذا التحدي أعوام  و لم يخسر السيد راندي للأن مليونه. و ملاحظاتي لطرح البرفسور مسارو أموتو الذي شهدته كما أشرت في البداية ذات شقين.

بداية و قبل التطرق لأي منهما نلخص طرح البرفسور الياباني في التالي : بأن للماء ما يشبه العقل الواعي يدرك ما يدور حوله  يظهر عند تعريض كوب من الماء لكلمات أو صور أو موسيقى أو المشاعر الإنسانية الإيجابية أو السلبية على أشكال بلورات مائية تفاعلية تأخذ صوراً  عاطفية للماء ذاته ( aesthetic pictures ) جميلة إن كانت الكلمات أو الصور أو المشاعر جميلة و العكس بالعكس. و يلجأ حسب طرحه في المحاضرة إلى تجميد الماء بسرعة حال إنفعاله بالصور أو الكلمات أو الموسيقى أو العواطف كما وصفنا و تصوير تلك الأشكال بواسطة المجاهر الإلكترونية.

قبل أن أبدأ تحليلي أريد أن أشير إلى إكتشاف علمي جديد نسبياً ألا و هو وجود حالة رابعة للماء إضافة للحالات الثلاث التي تدرس في الجامعات و المدارس و هي الحالة الصلبة ( الثلج ) و السائلة و الغازية ( بخار الماء ) ألا و هي الماء الكرستالي السائل. و الفرق بين الحالة السائلة و الحالة الكرستالية السائلة هي أن ذرات الماء مرتبة عشوائياً في الحالة السائلة و تأخذ شكل الأنية التي توضع فيها بينما الكرستالية السائلة تترتب فيها جزيئات الماء على أشكال هندسية محددة في الفراغ بشكل متكرر و قد يأخذ الماء فيها شكلاً مغايراً لشكل الآنية كمثل شكل جسر بين آنائين زجاجيين مثلاً ، و تنشأ هذه الحالة الرابعة عندما يتعرض الماء إذا كان بجوار سطح محب للماء Hydrophilic Surfaceلنوع من أنواع الطاقة كالطاقة الضوئية أو الكهربية ، و نزولاً عند المثل القائل ليس الخبر كالعيان يمكن مشاهدة تجربة عن الماء السائل الكرستالي على الرابط التالي على موقع اليو تيوب :

 http://www.youtube.com/watch?v=FhBn1ozht-E

قدمت بهذة المعلومات حتى اؤكد بداية أني لا أنكر تشكل البلورات في داخل الماء تحت ظروف علمية محددة يمكن لكل من لديه دراية تجريبية علمية أن يكرر إجرائها في ظروف مختبرية منضبطة.

عوداً على بدء ، قام البرفسور أوموتو بعرض الصور الجميلة كما و خلافاها التي يقول أنه حصل عليها من الطريقة المشار إليها أعلاه دون أن يحاول حتى إقناع الجمهور المتلقي بإلتزامة بمسلمات المنهج العلمي الرصين المتمثل في التالي : طرح الأسس النظرية التي بنيت عليها التجارب ، التفاصيل الدقيقة لإجراءات تطبيق التجارب المختبرية ، التطرق إلى مقدرة الباحثين الأخرين على تكرار التوصل إلى ذات النتائج تحت ذات الظروف المختبرية بل كان جوابه على أحد الأسئلة من قبل الجمهور عن أين يمكن تعلم هذا العلم بأنه لا يوجد من يقوم به إلا مركزه هو في طوكيو ،  كما أنه لم يشر إلى منهجية الاستنباط من النتائج بل توصل إلى نتائج فلسفية كما سيمر معنا من النتائج التصويرية ، و فاته كذلك أن يشير إلى أبحاثه العلمية المحكمة و المنشورة – إن وجدت – في المجلات العلمية العالمية الرصينة.  و كل ما مضى يقدح في علمية الطرح طبقاً للأعراف الدولية المتبعة في الأبحاث العلمية ، إلى هنا و الخلاف بيني و بينه تقتصر على المنهجية العلمية و ربما فاتني الفهم عنه فهو كان يحاضر باليابانية و نحن نستمع لترجمة عربية عنه. الموقع التالي يشتمل على تحليل علمي معمق عن منهجية أموتو :http://www.is-masaru-emoto-for-real.com  للدكتور كرستوفر سترشفيليد من جامعة كاسيليون بالولايات المتحدة و يصفها بأنها علم زائفpseudoscience

لكن الذي جرى بعد ذلك يدخل في تقديري في التلبيس العقدي الفلسفي و الدعوة لوحدة الأديان  و أرجو أن أكون مخطأً في فهمي.  كان مدخل البرفسور مسارو أموتو على الجمهور المسلم هو عرض الصور البلورية المائية الجميلة التي يقول أنه توصل إليها من خلال ذكر البسملة أو تقريب كوب الماء من سورة الفاتحة أو أسماء الله الحسنى أو صورة الكعبة المشرفة و كل ذلك حسن و قد يكون فيه من يندرج تحت قوله تعالى ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) ، لولا أن الرجل أتبع ذلك بكتابة ما أسماها بالأديان العالمية الكبرى التي عددها لاحقاً في إجابة على استفسار أحد السائلين بأنها البوذية و الهندوسية و المجوسية و اليهودية و النصرانية و الإسلام ثم ألصقها على قارورة ماء لتتكون بلوراته التي تحمل لنا رسالة من الماء فظهرت البلورات لكل تلك الأديان بصور جميلة متجانسة تتوجها صورة إنسان و فهمت من تعليقه أن الإنسان إن أعتنق أي منها فهو على خير ، و الله تعالى يقول ( إن الدين عند الله الإسلام و من يبتغي غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الأخرة من الخاسرين ).

ثم أنثنى الرجل يحدثنا عن كيف أن الصور البلورية إنما تتكون بفعل الطاقة التي تؤثر في الماء و أن الطاقة مصدرها الشمس و أنه يقترح علينا بعد أن فتح يديه على طول الباع و رفع كفية نحو السماء ثم ضهما أمام صدره أن نشكر الشمس ؟؟؟! و أن نخصص يوماً لشكر الشمس و أن نعلم أبنائنا شكر الشمس ، كما أخبر الجمهور بأنه توجه للأمم المتحدة و قد دعمته في طباعة و نشر 650 مليون كتاب على أطفال العالم لتعلمهم مبادئه ، و جاء بفيديو لقوم يبتهلون – و أحسب – أن إبتهالم كان للشمس ، و كل ذلك موثق في شريط المحاضرة.

لا يفوتني هنا أن أشكر مقدم المحاضرة و هو رجل رباني فاضل أحسبه خير و أحب إلى الله مني الذي بادر بالتعليق عقب المحاضرة مباشرة على جزئية شكر الشمس بأننا كمسلمين نشكر خالق الشمس و ليس الشمس ذاتها و ضرب للمحاضر و الحضور مثلاً بعد أن استخرج من جيبة مسبحة و شرح بأنه لو أهدي إليك هذه المسبحة فإنك تشكر المهدي و ليس ذات الهدية. كما لا يفوتني أن اشير للحوار الذي دار بيني و بين القائمين من الجهة الداعية و المنظمة للمحاضرة الذين أكدوا – كما هو الظن في كل مسلم – على أنهم لم يكونوا على علم بالمحتوى الفلسفي للمحاضرة ، إنما كانوا على إطلاع على شقها التجريبي.

كنت قد سألت المحاضر بعد أن أشار في محاضرته – و أنا أوافقه الرأي –  بأن الإنسان هو خير المخلوقات ، سألته عن الوعي الفائق الذي ينسبه للماء و يتخطى الوعي و الاستيعاب الإنساني إذ أن المحاضرة أكدت على أن الماء يتفاعل مع الكلمات بكل اللغات و هو ما يفوق قدرة الإنسان فكان جوابه ( إن  الإنسان مهم و الماء مهم و لست أدري أيهما أهم ) و إلى هنا ينتهي إحترامي لعلمية طرح مسارو أموتو ، و أرى أنه من ضمن مجموعة عالمية تنكر وجود الإله على الحقيقة و تزعم إنتشار الوعي في الكون ( نظرية الحلول ) ، و أدعو من هذا المنبر الإعلامي إلى تكوين لجنة علمية وطنية رصينة يكون أعضاؤها من المشهود لهم بالإنفتاح الفكري و سعة الأفق كمثل الشيخ سلمان العودة مثلاً للنظر في محاضرة  البرفسور الياباني و كذلك كتبه الموجودة في أسواقفنا فإن رأت اللجنة في المحاضرة ما رأيت فلا يسمح له بعد اليوم بالقاء المحاضرات في بلد الحرمين الشريفين إلا إن رجع عن دعواته الفلسفية لأهلها و أن تمنع كتبه ، و إن وجدت اللجنة غير ذلك فأنا على أتم الاستعداد لتقديم إعتذاري الرسمي له و من هذا  المنبر الإعلامي ، و الله الهادي لسواء السبيل.

تابع سلسلة المقالات