”
و من هنا تلقفهم الشيطان و حزبه ، ليأخذهم من أقصي ضلال اليسار ( كفر الغرب و ماديته ) إلي أقصي ضلال اليمين (كفر الشرق ووثنيته ) متجاوزين الوسطيـة و دين الحـق ( الأرض المباركة و مهد الرسالات ) ليذرهم في سكرتهم يعمهون.
فبعد أن تنبهوا لضلال المذاهب المادية الحديثة و عوار منهجها، “” بدأوا يستعرضون الذاكرة البشرية علي ما فيها من قَتَمٍ و غَبَشٍ و إسفاف؛ لعل في متاهات الماضي ما يقيهم شر غوائل المستقبل “”[1] فركبوا مركبة الزمان للبحث عن مذاهب روحية قديمة و تفسيرات للغيب سحيقه يعالجون بها حاضرهم المشتت؛ فانطلقوا يفتشون في حضارت البشرية السحيقة و فلسفاتها الوثنية القديمة؛ فعادوا قروناً إلي الوراء، و ياليتهم في عودتهم تلك، ورحلة بحثهم هذه، توقفوا عند محطة الوحي و منهل العلم فنهلوا من معينه الصافي و ارتووا منه بعد طول عطشهم القاسي؛ بل تعمد قائد مركبتهم ابليس و جنده أن يتجاوزها إلي ما هو قبلها، إلي مستنقع الفلسفات الأسنة و برك الأوثان العفنه، فتوقف بهم سائقهم عند محطة الأديان الشرقية القديمة من هندوسية و بوذية و طاوية، فأرشدهم إلي تمارينهم الروحية و فلسفاتهم العقدية و تصوراتهم عن نشأة هذا الكون، و سبب الوجود و الموجدات علي غير هدي الرسل و النبوات؛ فوجدوا فيها غايتهم المنشوده، و روحهم المفقوده، فزين لهم أعمالهم فصدهم عن السبيل، فنقلوا منه علي عجره و بجره كل صغيروكبير، و طاروا بها فرحاً و طبلوا و زمروا لها عجباً، و نبهوا علي أهمية علومهم و رجحان أفكارهم، فصرخوا صراخ المسعور: ألا ترون إعجاز حضاراتهم…َ؟! و أسرار علومهم …الدالة علي نبوغ أفهامهم..؟! ها هي اهراماتهم و أثارهم، شاهدة علي فضلهم و علمهم و رجاحة عقولهم!! و لم يقفوا علي قول خالقهم و يستوعبوا الحكمة من إبقاء بعض أثارهـم : ( وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) العنكبوت: ٣٨
و بدأت عمليات النقل و الترجمة، و الترتيب و التبويب [2] ؛ فخلطوها بعلمهم المادي السابق و أدخلوها في ميادين شتي من طب و شفاء و عمارة و بناء، فأدخلوا فنونهم في كل شئ و زعموا أنه العلاج من كل ضرر، فهذبوا علومهم في صورة كتب و دورات، وندوات ومؤتمرات، فصاغوها صياغة جديدة فتنت كل مفتون بما في يد غيره مهملاً ما بين يديه من الخير و نور الوحي.
1- مقدمة كتاب : منهج الأشاعرة في العقيدة ( للشيخ سفر الحوالي )
[2] – من أسباب ظهور الفرق الباطنية و عقيدة الحلول و الإتحاد ووحدة الوجود في الفرق الإسلامية القديمة و الحديثة هي عملية الإنفتاح غير المنضبط علي الثقافات الوثنية و ترجمة كتب الفلسفات اليونانية و الهندية عندما توسعت الفتوحات الإسلامية .
“
اترك رد