يذكر أحد رواد الفكر الباطني أن الإحباط هو: مشاعر ناتجة عن خيبة ظن من نتيجة مرغوبة لسلوك معين.
ثم ذكر أن الموروث قلَّما تحدَّث عن الظن، كما أن الموروث نقل مفاهيم مغلوطة في تركيزه على الآخرة أكثر من الدنيا، ولم يعتبر الدنيا (ترمومتر) لتعرف إن كنت تسير في الاتجاه الصحيح أم لا !
بل لأنه أوهم متبعيه أن من يعيش الجنة على الأرض هم الكفار (هذه جنتهم)!!
شفت عملوا إيه في الناس ؟!!! فإن كنت تظن ذلك في العمق فاعلم أيضًا أنه (ظن).”
………………
أولاً: من المعلوم في تدليس أهل الباطل للحق: تقديم شيء صحيح معلوم لدى المتلقي مع شيء غير صحيح قد يكون معلومًا؛ فيشكك فيه المتلقي، أو غير معلوم فيبتلع المتلقي الباطل بكل ثقة لما تقدم إليه من أمور أخرى معلومة لديه وصحيحة.
فهنا قدَّم هذا المدعي تعريفًا للظن ومن خلاله انتقل إلى التشكيك في الموروث
ثانيًا: كما ذكرت من قبل مرارًا وتكرارًا أن هؤلاء الروحانيين أصحاب الفكر الباطني يريدون الدنيا وكأنها جنة الخلد.
فيوهمون متلقيهم أن لديهم القدرة على فعل أي شيء وصنع أي شيء حتى أقدارهم يستطيعون صناعتها في هذه الدنيا، وبالتالي تصبح الدنيا لديهم ليست دار ممر بل تصبح دار مستقر.
وها هو يتأسف -هذا الروحاني- على تركيز السلف على الآخرة أكثر من الدنيا تكذيبًا وتسفيهًا لهم ونسفًا لفكرهم وفهمهم للنصوص.
يمكنكم الرجوع إلى رابط: مكانة السلف الصالح وفهمهم للنصوص https://2u.pw/riC81
وهو في الحقيقة ليس تكذيبًا للسلف -الذين هم بشر في فهمهم للنصوص كباقي البشر على حد زعمه- بل هو يرمي إلى تكذيب ما جاء في صحيح السنة ومحكم القرآن.
فدائمًا يردد: افهم القرآن بنفسك دون أن يملي أحد عليك فهمه… مريدًا هدم شيء اسمه (من الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة).
إن كان الموروث -كما يزعم- قدم مفاهيم مغلوطة وكاذبة في مسألة التركيز على الآخرة أكثر من التركيز على الدنيا، وكان هذا كذبًا حقًا فأين نذهب من قول رَسُول اللَّه ﷺ: ((لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ))؟ رواه الترمذي، وَقالَ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقوله ﷺ: ((ما الدنيا في الآخرة إلا كما يُدْخِل أحدُكم أصبعه في اليَمِّ –يعني: في البحر– فلينظر بم ترجع؟)) يعني: ليس لها قيمة.
وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه في وصف سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لحال النبي ﷺ: وإنَّه لَعَلَى حَصِيرٍ ما بيْنَهُ وبيْنَهُ شَيءٌ، وتَحْتَ رَأْسِهِ وِسَادَةٌ مِن أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، وإنَّ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَرَظًا مَصْبُوبًا، وعِنْدَ رَأْسِهِ أَهَبٌ مُعَلَّقَةٌ، فَرَأَيْتُ أثَرَ الحَصِيرِ في جَنْبِهِ فَبَكَيْتُ، فَقالَ: ما يُبْكِيكَ؟ فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ كِسْرَى وقَيْصَرَ فِيما هُما فِيهِ، وأَنْتَ رَسولُ اللَّهِ! فَقالَ: ((أَمَا تَرْضَى أنْ تَكُونَ لهمُ الدُّنْيَا ولَنَا الآخِرَةُ؟)).
ثم يأتي لك هذا المدعي ويشكك في صحيح البخاري والسنة ويقول نأخذ من القرآن فقط، وهذا من تناقضه الشديد، فلو نظرنا في القرآن لنرى ما قيمة الحياة الدنيا ووصفها في كتاب الله نجد كمًا هائلاً من النصوص لا يمكن حصره:
⁃ قال الله تعالى: {فَمَن زُحۡزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدۡخِلَ ٱلۡجَنَّةَ فَقَدۡ فَازَۗ وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلۡغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥].
⁃ وقال تعالى: {فَلۡيُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشۡرُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۚ وَمَن يُقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقۡتَلۡ أَوۡ يَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا} [النساء:٧٤].
⁃ وقال تعالى: {وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَآ إِلَّا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۖ وَلَلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٞ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ} [الأنعام:٣٢].
⁃ وقال تعالى: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:٣٨].
⁃ وقال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ} [يونس:٧].
⁃ وقال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا يَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَٰمُ حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زُخۡرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَآ أَنَّهُمۡ قَٰدِرُونَ عَلَيۡهَآ أَتَىٰهَآ أَمۡرُنَا لَيۡلًا أَوۡ نَهَارٗا فَجَعَلۡنَٰهَا حَصِيدٗا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ
َتَفَكَّرُونَ ۞ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلَٰمِ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ۞ } [يونس٢٤-٢٥].
⁃ وقال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ ۞ أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا ٱلنَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ۞ } [هود:١٥-١٦].
⁃ وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} [الحديد:٢٠
⚡️فلا أعلم هل هو تكذيب للسلف أم لصحيح السنة أم لما جاء في كتاب الله؟!!
ها هي الدنيا وحقيقيتها من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ ، علمًا أن هناك من الأدلة ما هو أكثر من ذلك ولكن كما يقال: “صاحب الحق يكفيه دليل واحد وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل”…
ها هي الدنيا التي أرادها أهل الأهواء، أرادوها دارًا لتحقيق كل الرغبات والأمنيات خالية من المنغصات والبلاءات، فلو كان الأمر كذلك فماذا بقي للجنة حينئذ؟!
جعل الله الدنيا دار ابتلاء حتى لا يركن المؤمن إليها ويغفل عن الآخرة، فالدنيا جعلها الله دار ابتلاء وليست دار جزاء، كما أن الله جعل الآخرة دار جزاء وليست دار عمل أو ابتلاء.
وهل هذا يعني أن المؤمن لا يسعى في الدنيا ويأخذ بالأسباب المشروعة والمباحة في أموره كلها؟
كلا، بل يسعى لتحصيل رزقه فيأكل مما رزقه الله،يسعى المؤمن إلى الأخذ بأسباب الغنى المشروعة والمباحة، كذلك في دفع أسباب الفقر، فإن حصّل النتيجة شكر فكان ذلك محمودا، وإن لم يحصّل النتيجة صبر فكان محمودا، فيغرس ويزرع ويحصد، ويعمر الأرض، ويتداوى بل ويُروِّح عن نفسه بما أباحه الله له فيسعى بجوارحه في الدنيا… ولكن، قبلة قلبه الله والدار الآخرة.
قال الله: {هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ وَإِلَيۡهِ ٱلنُّشُورُ} [الملك:١٥].
وقال تعالى: {قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} الأعراف:٣٢].
ولكن يجب على المؤمن أن يتنبه فلا يتعلق قلبه بالدنيا، فلو تعاظمت الدنيا في قلب المؤمن تفرق عليه أمره، وتجمعت عليه الهموم لتحسره على ما فاته من حطامها، وتعلق قلبه وزاد حرصًا وخوفًا على نقصان ما عنده، والكثير والكثير من الأمراض التي تصيب قلبه وقد تهلكه بسبب تعلقه بالدنيا، ولا يختلف عاقل أن الإنسان مهما حصَّل من الدنيا فإنها إلى زوال.
ففي مثل هذه الدورات أمور ما أنزل الله بها من سلطان، دورات تورث أمراض للقلوب، وتشككها في ثوابت ويقينيات من الدين تحت أسماء براقة وجذابة مثل: (الوعي، وسيكولوجيا الدين والعبادات، وفهم الدين بعمق)… فيأتون بأدلة يستدلون بها في غير موضعها، أو يحرفون معناها لتمرير فكرهم المنحرف.
فيهرع إليها البعض راجون جنة الخلد في دنياهم، ثم الآخرة التي يصورونها لهم نعيمًا دون جحيم، وثوابًا دون عقاب.
فيسير هذا المتلقي خلف سراب ﴿ يَحسَبُهُ الظَّمـٔانُ ماءً حَتّىٰ إِذا جاءَهُ لَم يَجِدهُ شَيـًٔا ﴾ [النور: 39] ، فإذا سُحِب من تحت قدمه البساط، نظر يمنة ويسرة وقد تجرد من عقيدته، فاقدًا لقلبه، ونفسه وعقله معهما أيضًا، نسأل الله السلامة والعافية.
أما قول هذا المدرب الباطني: “الموروث لم يعتبر الدنيا (ترمومتر) لتعرف إن كنت تسير في الاتجاه الصحيح أم لا ! لأنه أوهم متبعيه أن من يعيش الجنة على الأرض هم الكفار (هذه جنتهم) !! شفت عملوا إيه في الناس ؟!!! فإن كنت تظن ذلك في العمق فاعلم أيضًا أنه (ظن)”.
الدنيا ليست معيارًا لصلاح الإنسان أو فساده.
فلو كانت الدنيا معيارًا لصلاح الإنسان وسيره في الطريق الصحيح -كما يدعي هذا المدرب الباطني- لكان أصلح رجل على وجه الأرض هو قارون!
وقد قال الله عنه: {إنَّ قَٰرُونَ كَانَ مِن قَوۡمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيۡهِمۡۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُۥ لَتَنُوٓأُ بِٱلۡعُصۡبَةِ أُوْلِي ٱلۡقُوَّةِ إِذۡ قَالَ لَهُۥ قَوۡمُهُۥ لَا تَفۡرَحۡۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ} [القصص:٧٦].
أي آتاه الله من كنوز الأموال شيئًا كثيرًا لدرجة أن مفاتح خزائن أمواله لتثقل الجماعة القوية عن حملها، هذه المفاتيح، فما ظنك بالخزائن؟ – من تفسير الشيخ السعدي
قال تعالى: {فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٖ ۞ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّبِرُونَ ۞ فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ ۞ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:٧٩-٨٢]
🌟فـبسط الرزق لقارون، ليس دليلاً على خيريته وفضله.
- فلو كان كلامه -الباطني- صحيحًا ما سقى منها الكافر شربة ماء.
- ولو كان كلامه صحيحًا لما لقي خير البشر من الأنبياء والمرسلين ما لقوا من النَصَب والبلاء.
- ولو كان كلامه صحيحًا لما كان لكسرى وقيصر ما كانا فيه من النعيم والقصور، ورسول الله ﷺ ينام على حصير ويؤثِّر في جنبه صلوات الله عليه وتسليمه، حتى بكى عمر بن الخطاب لحاله ﷺ كما في صحيح البخاري.…
- ولو كان كلامه صحيحًا لما لقي ﷺ ما لقيه من أهل الطائف، ولما أوذي في عائشة رضي الله عنها، ولما اتُهم بالسحر والكذب والجنون من قومه، ولما شُج وجهه، وكُسرت رباعيته، ومع ذلك كله صبر واحتسب ﷺ.
لو كانت الدنيا (ترمومتر) للمسار
الصحيح لما لقي خير البشر صلوات الله عليه وتسليمه كل ألوان هذه البلاءات.
ثم يأتي مثل هذا ويقول إن السلف أوهموا متبعيهم “أن من يعيش الجنة على الأرض هم الكفار (هذه جنتهم)”.
فهذا من ضمن تدليسه وخلطه للحق بالباطل من أجل ترسيخ أفكاره المنحرفة.
وكما ذكرت في أحد المقالات السابقة: ليس المطلوب من المؤمن أن يكون غنيًا أو فقيرًا، بل المطلوب من المؤمن أن يكون (عبدًا) أي تحقيق مواطن العبودية في كل حال، سواء كان في الفقر أو الغنى، إذا أُوتي يكون شاكرًا، وإذا مُنع يكون صابرًا راضيًا، ها هو المعيار الصحيح لحال المؤمن.
فعثمان بن عفان رضي الله عنه كان غنيًا موسرًا، لكنه بذل ماله في مرضاة الله؛ فحفر بئر روما، وجهَّز جيش العسرة حتى انطلقت أسارير النبي ﷺ فقال: ((ما ضَرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم، ما ضَرَّ عثمان ما فعل بعد اليوم)).
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: ((كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحبَّ أمواله إليه بَيْرَحَاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله ﷺ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيِّب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:٩٢]، قام أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، إنَّ الله -تبارك وتعالى- يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}، وإنَّ أحبَّ أموالي إليَّ بَيْرَحَاء، وإنَّها صدقة لله، أرجو برَّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله ﷺ: ((بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنِّي أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسَّمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمِّه)). رواه البخاري ومسلم
إذن ليس المطلوب من المؤمن أن يكون غنيًا أو فقيرًا، بل المطلوب من المؤمن أن يكون ((عبدًا))
✍️ غادة شكري
اترك رد