- باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابا
- باب قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا) [النساء: 60][1]
قال الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة: 11]
وقال تعالى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة: 50]
وعن عديّ بن حاتم أنه سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ هذه الآية: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللهِ)، فقلت له: إنا لسنا نعبدهم. قال: “أليس يحرِّمون ما أحل الله فتحرِّمونه، ويُحِلُّون ما حرّم الله فتُحلُّونه؟ ” فقلت: بلى. قال: “فتلك عبادتهم” رواه أحمد والترمذي وحسّنه.


ويتجلى الإخلال بتوحيد الاتباع والطاعة في صور ومظاهر منها:

من صور الإخلال بهذا التوحيد وهو موضوعنا في هذا الفصل حين يُطاع علماء الضلالة في تحسين البدع بل هناك من يلوُون عنق الدليل ليمرروا شركياتهم من خلال الدين بُهتانا وزُورا فزيَّنوا للناس الباطل وصار المنكر معروفًا والمعروف منكرًا ووقع ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين)
الأئمة: جمع إمام وهو مقتدى القوم ورئيسهم ومن يدعوهم إلى قول أو فعل أو اعتقاد.
ولاتباع المخلوقين وطاعتهم في التحليل والتحريم ثلاث صور:


إنَّ الطاعة دون النظر فيما يُقال لا سيما في المعتقدات أو نقد المعتقدات الشرعية الثابتة أو تغييرها…ونحو ذلك تُفضي إلى طاعة من يقوم بتحليل الحرام، أو تحريم الحلال وهو نوع من اتخاذه شريك لله في الشرع -عياذا بالله، قال تعالى:( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله)
فقد نجد من يلوون عنق الدليل حتى يخدم ما يأتون به من عقائد فاسدة تحت اسم الشرع، فيحلون ما حرمه الله، ويحرمون ما أحله الله،كما أنهم يحاولون تأويل الأدلة الأدلة بغير ما أنزل الله به من سلطان، ويضعون الأدلة في غير موضعها ابتغاء الفتنة تحت ستار أسلمة هذا الفكر الضال (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ)
ونجد هناك من يعرض عن المنبع الصافي، ويتبع هؤلاء لهوى نفسٍ أو تقليد أعمى لتقدم زائف. وكما أننا نعلم أن فرع الشيء لا ينفصل عن أصله وأن هذه الأفكار والعقائد المنحرفة المراد أسلمتها لها جذور وثنية، فنجد المتدربين وطاعتهم لمدربيهم في ممارسة العبادات الوثنية مثل: طلب العطاء من الكون، أو ممارسة التأمل البوذي، والهندوسي لتحقيق الأهداف، أو التشافي بالطاقة الكونية أو تصميم المنزل على خريطة (الباغوا) في (الفونغ شوي) ونحوها…وقد ذكرنا من هذه التطبيقات في الأبواب السابقة شيء من التفصيل .

نجد من دعاة الباطل من تعلو أصواتهم به بحجة الإصلاح وتسمية الأشياء بغير مسمياتها، يقول الله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) [البقرة: 11]
يقول الشيخ السعدي: أي إذا نهي هؤلاء عن الإفساد في الأرض(قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض، وإظهارهم أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح، قلبا للحقائق، وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهذا أعظم جناية ممن يعمل بالمعصية، مع اعتقاد أنها معصية فهذا أقرب للسلامة، وأرجى لرجوعه… انتهى
كما أننا نجد أصحاب هذا الفكر الفاسد لا يستندون على حجة أو دليل بل يستندون إلى آرائهم الفاسدة التي لو كان الحق تبعا لها لفسدت السماوات والأرض، ومن فيهن (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) بغير علم. فتبا لمن قدم هذه العقول على شرع الله وأحكامه الموافِقة للمصالح العامة والمنافع الخاصة، ولا يستغرب هذا منهم، فإن هذه الآراء وأشباهها، صادرة عن وحي أوليائهم من الشياطين، الذين يريدون أن يضلوا الخلق عن دينهم (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ ) في شركهم وتحليلهم الحرام، وتحريمهم الحلال (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) لأنكم اتخذتموهم أولياء من دون الله، ووافقتموهم على ما به، فلذلك كان طريقكم طريقهم. ودلت هذه الآية الكريمة على أن ما يقع في القلوب من الإلهامات والكشوف، التي يكثر وقوعها عند الصوفية ونحوهم، لا تدل –بمجردها على أنها حق، ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله. فإن شهدا لها بالقبول قبلت، وإن ناقضتهما انساقوا وراء أخذ تربية هذه النفس- التي لا يعلم إصلاحها إلا الذي خلقها فسواها -من عقول بشرية قاصرة. سواء كانت تزكية النفس بما يسمونه تطوير الذات، أو العلاقات الزوجية والأسرية، أو فن التعامل أو تحليل الشخصية من أجل كيفية التعامل مع من حولهم.
تركوا الأصل، ولو تأملوه حقا لوجدوا ضالتهم عنده، قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ) أي: فاعلم أن تركهم اتباعك، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه، ولا إلى هدى، وإنما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم. (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ) فهذا من أضل الناس، حيث عُرض عليه الهدى، والصراط المستقيم، الموصل إلى اللّه، وإلى دار كرامته، فلم يلتفت إليه، ولم يقبل عليه، ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء فاتبعه وترك الهدى، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟”
وفي قوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ) دليل على أن كل من لم يستجب للرسول، وذهب إلى قول مخالف لقول الرسول، فإنه لم يذهب إلى هدى، وإنما ذهب إلى هوى .[5]
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:50]
أفيطلبون بتوليهم وإعراضهم عن النهج الحق حكم الجاهلية، وهو كل حكم خالف ما أنزل الله على رسوله. فلا ثم إلا حكم الله ورسوله أو حكم الجاهلية. فمن أعرض عن الأول ابتُلي بالثاني المبني على الجهل والظلم والغي، ولهذا أضافه الله للجاهلية، وأما حكم الله تعالى فمبني على العلم، والعدل والقسط، والنور والهدى. (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ْ) فالموقن هو الذي يعرف الفرق بين الحكمين، ويميز -بإيقانه- ما في حكم الله من الحسن والبهاء، واليقين، هو العلم التام الموجب للعمل. [6]انتهى أسأل الله أن يرزقنا يقينًا يباشر قلوبنا، وفرقانًا نفرق به بين الحق والباطل، واتباعًا لنهجهه على الوجه الذي يرضيه عنَّا.
[1] كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
[2] من شرح كتاب التوحيد” للشيخ الدكتورخالد بن عبد العزيز الباتلي
[3] من شرح كتاب التوحيد” للشيخ الدكتورخالد بن عبد العزيز الباتلي
[4] من شرح كتاب التوحيد” للشيخ الدكتورخالد بن عبد العزيز الباتلي
[5] من تفسير الشيخ السعدي بتصرف
[6] من تفسير الشيخ السعدي بتصرف
اترك رد