تصنيفات

هذه المقالة هي[part not set] من 32 سلسلة مقالات سلسلة أصلها ثابت

وها نحن بصدد خاتمة كتاب (التوحيد الذي هو حق الله على العبيد)باب “ما جاء في قوله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُون) ،

يقول الدكتور خالد الباتلي لشرحه لكتاب التوحيد: وما أحسن ختم الكتاب بهذا الباب، فإنه لمّا قرر توحيد العبادة، وما يكمله أو يناقضه أو يقدح فيه،أتى بهذه الخاتمة التي هى كالموعظة للقلب، ليبين لك أن هذا المعبود عظيم جد عظيم فيخشع القلب، ويوجل خضوعًا، ويتوجه لربه بالعبادة من خالص قلبه راغبًا راهبًا.انتهى

[1]

حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ يهوديَّاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا محمد! إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وفي رواية: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً وتصديقاً له ) رواه البخاري (7414) واللفظ له، ومسلم 2786

وقال أبو ذر سمعت رسول الله ﷺ يقول:”ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض”.

إن ربنا عظيم، وعظمته في نفوس المؤمنين هي التي تجعلهم يعبدونه، ويطيعونه، ولا يعصونه، ويأتمرون بأمره، ويقبلون شرعه، ويأخذون بهديه، ويطيعون رسله، قال نبينا ﷺ:”كان الله ولم يكن شيء غيره لا أحد إلا الله، ثم خلق العرش، وخلق القلم، وخلق اللوح، وكتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء ” [رواه البخاري: 3191] ما أعظمه! خلق اللوح والقلم وقال: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. جفت الأقلام، ورفعت الصحف.

نتفكر في عظمته وهو يقول لهؤلاء الجاحدين: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) من العدم ( أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) [الطور: 35]

تحدى الخلق بأمر الخلق فليخلقوا حبة، فليخلقوا ذرة، فليخلقوا شعيرة [رواه البخاري: 7559، ومسلم: 2111] (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ) [النحل: 17]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ)

أخذ الله -تبارك وتعالى- الميثاق من ظهر آدم فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا، قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) [الأعراف] هذا ميثاق عالم الذر، وميثاق الفطرة الذي جعله في نفوسهم، وميثاق الرسل والكتب التي أنزلها، وبعثها إليهم.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :(إن الله -عز وجل- لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل) .رواه مسلم

قال في الحديث القدسي:(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ..) رواه مسلم

سؤال الله كل شيء من أمور الدين والدنيا، (استهدوني) من أمور الدين (استطعموني)، (استكسوني) من أمور الدنيا.

نتفكر في عظمته، وقد قال نبيه ﷺ: (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء). اخرجه مسلم

ربنا آخذ بناصية كل شيء، يعني كل شيء من المخلوقات في سلطانه، وتحت قهره، والناصية مقدم الرأس، فقدرة الله فوق قدرة كل مخلوق، (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [هود: 56].

نتفكر في عظمته وقد قال النبي ﷺ: يطوي الله -عز وجل- السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟. يطويها طيا: ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [الأنبياء: 104] كما تطوى الورقة، وذلك على الله يسير. يوم لا أرض ولا سماء، ولكن الواحد الديان سبحانه ينادي: لمن الملك اليوم؟ فلا أحد يجيب، وقد قبض الخلائق كلهم، فيجيب نفسه بنفسه، فيقول سبحانه: (لله الواحد القهار).

قال النبي ﷺ مبينا عظمة ربه وهيمنته: (اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لما أضللت، ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت) صحيح الادب المفرد .

يقول الله وتعالى: )مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( [فاطر: 2]. عز وجل يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لا معقب لحكمه، يحكم ما يريد: (فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) [البروج: 16]، قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- مبينا عظمة ربه -عز وجل- في عطائه وكرمه: (يد الله ملأى لا يغيضها نفقة) لا ينقصها ولا ينقص مما عنده شيء قال: (سحاء الليل والنهار) يعطي ليلا ونهارًا، (أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض، فإنه لم يغض) لم ينقص ما في يده وقال: (عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع ) يرفع من يشاء، ويخفض من يشاء، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، يمرض من يشاء، ويشفي من يشاء، يحيي من يشاء، ويميت من يشاء، يقسم الأرزاق، ويجزل العطايا (خضوع الكون لله وانقياده له .

وقد قال النبي ﷺ يبين لنا عظمة الله في هذه الشمس التي تخضع له، لما غربت قال ﷺ لأبي ذر: (أتدري أين تذهب؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش)حديث صحيح، وبطبيعة الحال الشمس، وكل السماوات وكل الخلق كلها تحت العرش، والله استوى على عرشه كما يشاء سبحانه، والجمادات تسبح كلها لله، ولكن لا نفقه تسبيحها، كلها خاضعة لله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ) [الحـج: 18] كلها تسجد لله، قال عليه الصلاة والسلام: (فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها، وتستأذن، فلا يؤذن لها).يقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها، فذلك قول الله -تعالى-: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).

يعلم الغيب، قهر عباده بأمور كثيرة، ومنها -وعلى رأسها- قهرهم بالموت، لا يستطيعون الفرار منه، وقهرهم بعلم الغيب فلا يعلم المستقبل إلا هو، قال النبي ﷺ: (مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم أحد ما يكون في غد، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام)، فإن قالوا: عرفنا بالموجات فوق الصوتية؟ نقول: ماذا عرفتم؟! عرفتموه قبل أن يوجد؟! الله يعلمه قبل أن يوجد، تعرفون ذكر وأم أنثى؟ وترون أشياء، وفيها نسبة خطأ، ولا تعرفون كم يبقى في الرحم؟ هل يسقط؟ هل يتم؟ ولا تعرفون أجله، ولا عمله، ولا رزقه، ولا شقي أو سعيد، والله يعلم هذا كله، ولذلك يرسل الملك عند نفخ الروح في الجنين في الأرحام فيؤمر بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، هذا كله يعلمه، (يعلم ما في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت).

لا إله إلا الله، لا إله إلا هو ما علم ذلك العاصون، )مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ([الحـج: 74]، ما قدره الجاحدون والمعاندون والملاحدة والكفرة والمشركون، قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، )كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ( [الرحمن: 29]، يفرج كربا، يرفع قوما، يخفض آخرين، يكشف غما، يغفر ذنبا، يجيب داعيا، يكشف غما، ويغني فقيرًا، يجبر كسيرا، ينصر مظلوما، ويأخذ ظالما، يفك عانيا، ويشفي مريضا، يعطي أقواما، ويمنع آخرين، يحيي ويميت، يقيل عثرة، ويستر عورة، يعز ذليلا، ويذل عزيزا، ويعطي سائلا، ويأتي بأقوام، ويذهب بآخرين، سبحانه وتعالى.كل فعل من أفعاله لحكمة، وهو الشافي لا شافي إلا هو.[2] اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا، وتستر عيوبنا، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أحينا على التوحيد وأمتنا على التوحيد وابعثنا عليه آمنين، اللهم أحسن خاتمتنا، يا حي ياقيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)


[1] من شرح كتاب التوحيد” للشيخ الدكتورخالد بن عبد العزيز الباتلي

[2] من خطبة عظمة رب العالمين للشيخ محمد صالح المنجد

تابع سلسلة المقالات