كثيراً ما يستدل مروجو ممارسات و تطبيقات العلاج بالطاقة بآيات قرآنية و أحاديث نبوية شريفة خلال لقاءاتهم، كتاباتهم و دوراتهم في محاولة منهم لإضفاء الشرعية علي ما يلبسون به علي الناس.
فكما سبق و بينا في أكثر من مقال أساليب تزييفهم للأدلة العلمية في محاولاتهم البائسة لإلباس فلسفات الطاقة لباس العلم المادي عن طريق ترويجها علي أنها هي الطاقة الفيزيائية المعروفة و هو ما نسميه بـ” التلبيس العلمي ” !
فهم لا يتوانون عن استخدام مصطلحات شرعية من آيات القرآن الكريم أو من أحاديث خاتم المرسلين لإزالة الموانع من قلوب المستمعين لهم – لا سيما في أوطاننا الإسلامية و هو ما نسميه بـ ” التلبيس الشرعي ” مستغلين تارة التفسير الباطني للنصوص الشرعية شأنهم كشأن الفرق الباطنية قديماً ؛ و استغلالا لجهل المتلقي بدلالة الآية الكريم أو الحديث الشريف تارة ، فيتعمدون لي أعناق النصوص الشرعية لتوافق مرادهم و هي أبعد ما تكون عن هذا المراد المنحرف. و إما مستدلين بأحاديث موضوعة أو ضعيفة تارة أخري.
في هذا المقطع يلبس أحد مروجي العلاج بالطاقة و هو أحمد عمارة بإمكانية معرفة ليلة القدر عن طريق البحث العلمي و أجهزة خاصة يمتلكها بعض مروجي ممارسات الطاقة مثال – ابراهيم كريم – و تجده دوماً ما يستدل بكلام مرسل عن تلك الأبحاث العلمية – و التي لا أصل لها في معظم الأحيان –
من أجل ترويج هذا الباطل تجدهم يستظلون دوماً بمظلة الإعجاز العلمي في القرآن و السنة, فيمررون من خلالها ما يشاءون من أباطيل بحجة أن هذا مثبت علمياً، و قد شهد له إما القرآن و إما السنة. فما حجتكم أيها المتعصبون الرجعيون..!؟
فيقع المتلقي بين مطرقة البحث العلمي – المزعوم – و سندان الأدلة الشرعية – المُحرفة [1]– فلا يبقي أمام المُتلقي إلا أن يرخي دفاعاته و نقده العقلي لما يُعرض عليه، فلا يجد بُداً من قبول ما يُبث في عقله و يُسلم له.
لذلك كان لزاماً أن نتناول علي سبيل الإيجاز ضوابط الإعجاز العلمي في القرآن و السنة حتى نستبين سبيل الحق من سبيل المُضلين .
و في هذا المقطع يدعي كلاماً مرسلاً فيقول ” اكتشفوا ” من هم؟ لا يذكر مصدراً أبداً! فيزعم
ان هناك من اكتشف الحكمة من جمع صلاة الظهر مع العصر و المغرب مع العشاء و العلة أن طاقتهم واحدة!!
إن النظر في قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، هو كغالب القضايا العلمية والفكرية : يكتنفه طرفان : إفراط وتفريط ، والتوسط بين هذين الطرفين عادة ما يكون هو الأوفق والأقرب للصواب :
1- فمن الخطأ والتقصير الظاهر عدم الاستفادة من حقائق العلم الحديث في تفسير كثير من الآيات الكونية في القرآن الكريم ، والأحاديث الصحيحة في السنة المطهرة ، ونحن نؤمن أن خالق الكون ومنزل القرآن الكريم إله واحد ، فلا بد أن تتطابق التفاصيل الواردة فيهما ، والعلم الحديث خير معين على كشف هذا التطابق .
2- ومن الخطأ الظاهر أيضا المبالغة في هذا التوجه ، وتحميل الآيات ما لا تحتمل من أوجه المجاز المخالفة للسياق ، أو المخالفة لما ثبت في السنة المطهرة من تفسير هذه الآيات ، أو التسرع في عرض الفرضيات والنظريات على أنها حقائق علمية .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الإعجاز العلمي في الحقيقة لا ننكره ، لا ننكر أن في القرآن أشياء ظهر بيانها في الأزمنة المتأخرة ، لكن غالى بعض الناس في الإعجاز العلمي ، حتى رأينا من جعل القرآن كأنه كتاب رياضة ، وهذا خطأ .
فنقول : إن المغالاة في إثبات الإعجاز العلمي لا تنبغي ؛ لأن هذه قد تكون مبنية على نظريات ، والنظريات تختلف ، فإذا جعلنا القرآن دالاًّ على هذه النظرية ثم تبين بعد أن هذه النظرية خطأ ، معنى ذلك أن دلالة القرآن صارت خاطئة ، وهذه مسألة خطيرة جدًّا .
ولهذا اعتني في الكتاب والسنة ببيان ما ينفع الناس من العبادات والمعاملات ، وبين دقيقها وجليلها حتى آداب الأكل والجلوس والدخول وغيرها ، لكن علم الكون لم يأتِ على سبيل التفصيل .
ولذلك فأنا أخشى من انهماك الناس في الإعجاز العلمي وأن يشتغلوا به عما هو أهم ، إن الشيء الأهم هو تحقيق العبادة ؛ لأن القرآن نزل بهذا ، قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) ” انتهى.[2]
وقد قام كثير من الباحثين والعلماء المعاصرين – جزاهم الله خيرا – بكتابة الأبحاث العلمية الرصينة المتزنة في هذا الباب ، وقامت لذلك هيئات علمية متخصصة ، ومؤتمرات دولية ، ومجامع عامة يمكن أن تثمر فيما تثمره تقعيدا مؤصلا منضبطا لقضايا هذا العلم الجديد ، حتى يصل إلى درجة من الكمال الممكن ، كحال كل علم ينشأ غرسا صغيرا ، ثم يكبر ويثبت بدراسات العلماء الأفذاذ المتخصصين .
ونحن ننقل هنا بعض الضوابط المهمة للوصول إلى نتائج سليمة في هذا المنهج العلمي :
يقول الدكتور عبد الله المصلح حفظه الله :
” إن المراد بهذه الضوابط تلك القواعد التي تحدد مسار بحوث الإعجاز العلمي وفق الأصول الشرعية المقررة ، مع الالتزام بالجوانب الفنية والعلمية المطلوبة.
وتكمن أهمية هذه الضوابط في كونها مناط استرشاد للباحثين في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ، وخصوصا في هذا الوقت الذي كثر فيه إقبال الباحثين والكاتبين على هذا الموضوع لأهميته في الدعوة والإقناع ، وذلك لتميز هذا العصر بالعلم ومكتشفاته ، حتى أصبح العلم سمة من سماته.
وهذا الاهتمام من غير سير على ضوابط واضحة أوجد مزالق كثيرة حتى عند بعض المخلصين ، وإسهاما في علاج ذلك جاءت هذه الضوابط علها أن تكون مانعا من الوقوع في تلك الأخطاء ، وحافزا للكتابة في هذا الموضوع الحيوي .
والتزام هذه الضوابط يساعد كذلك على إنهاء الخلاف الفكري بين المؤيدين لموضوع التفسير العلمي والمعارضين له ؛ لأن جوهر الخلاف بينهم يرجع سببه إلى تلك المظاهر الارتجالية التي لا يصدر أصحابها عن منهج صحيح .
وتلك الضوابط هي :
1- ثبوت النص وصحته إن كان حديثا ، لتواتر القرآن دون الحديث .
2- ثبوت الحقيقة العلمية ثبوتا قاطعا ، وتوثيق ذلك علميا متجاوزة مرحلة الفرض والنظرية إلى القانون العلمي .
3- وجود الإشارة إلى الحقيقة العلمية في النص القرآني أو الحديثي بشكل واضح لا مرية فيه .
فإذا تم ذلك أمكنت دراسة القضية لاستخراج وجه الإعجاز .
ويجب في أثناء تلك الدراسة مراعاة الضوابط التالية :
1- جمع النصوص القرآنية أو الحديثية المتعلقة بالموضوع ، ورد بعضها إلى بعض لتخرج بنتيجة صحيحة لا يعارضها شيء من تلك النصوص ، بل يؤيدها .
2- جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بالموضوع إن وجدت ، وكذلك روايات الحديث بألفاظها المختلفة .
3- معرفة ما يتعلق بالموضوع من سبب نزول ونسخ ، وهل يوجد شيء من ذلك أو لا ؟
4- محاولة فهم النص الواقع تحت الدراسة على وفق فهوم العرب إبان نزول الوحي ، وذلك لتغير دلالات الألفاظ حسب مرور الوقت ، ولهذا يقتضي الأمر الإلمام بمسائل تعين على فهم النص والتمكن من تقديم معنى على آخر ، وهي كالآتي :
أ- إن النص مقدم على الظاهر ، والظاهر مقدم على المؤول.
ب- إن المنطوق مقدم على المفهوم ، وإن المفاهيم بعضها مقدم على الآخر كذلك.
ت- أن يخضع في تناوله للنص لقاعدة : العام والخاص ، والمطلق والمقيد ، والمجمل والمبين ، وأن العموم مقدم على الخصوص ، والإطلاق مقدم على التقييد ، والإفراد على الاشتراك ، والتأصيل على الزيادة ، والترتيب على التقديم والتأخير ، والتأسيس على التأكيد ، والبقاء على النسخ ، والحقيقة الشرعية على العرفية ، والعرفية على اللغوية .
ث- مراعاة السياق والسباق وعدم اجتزاء النص عما قبله وما بعده.
ج- مراعاة قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
ح- معرفة معاني الحروف ، وعدم تفسير حرف أو حمله على معنى لا يقتضيه الوضع العربي.
خ- مراعاة أوجه الإعراب ، وعدم القول بتوجيه لا يسانده إعراب صحيح أو قرينة أخرى .
د- أن المشترك اللفظي يمكن حمله على واحد من معانيه دون نفي الآخر أو القطع بأن هذا الصواب وحده ما لم تكن هناك قرينة راجحة .
5- إظهار وجه الإعجاز : فإذا تم ذلك لم يبق على الباحث سوى أن يظهر الربط بين الحقيقة الشرعية والعلمية بأسلوب واضح مختصر .
6- أن هناك أمورا من قبيل المتشابه لا مجال لفهمها أو تناولها بالبحث .
7- عدم البحث في الأمور الغيبية، كموعد قيام الساعة ، وبداية الخلق ، والجنة والنار – و الجن و الملائكة –
8- عدم الاعتماد على الإسرائيليات أو الروايات الضعيفة .
9- الاعتماد على المصادر المعتبرة في ذلك دون غيرها ، كأمهات التفسير والحديث وكتب غريب القرآن والسنة ، مع الإشارة إلى جهود الدراسات السابقة إن وجدت .
10- الابتعاد عن تسفيه آراء السلف من علماء التفسير والحديث ورميهم بالجهل ؛ لأن القرآن والسنة خطاب للبشرية في كل عصر ، والكل يفهم منها بقدر ما يفتح الله عليه ، وبحسب ما يبذله من جهد وما هو متوفر لديه من وسائل ، ولن يحيط بفهم الوحي أهل عصر إلى قيام الساعة ، فلا مجال للتسفيه والتجهيل ، وإنما هي الاستفادة والتكميل والدعاء لمن تقدم ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) الحشر/10، بل الواجب اتباع فهم السلف رضي الله عنهم ، وخصوصا الصحابة رضوان الله عليهم ؛ لأنهم أدرى بذلك لما شاهدوا من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصالح ، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين ، وعبد الله بن عباس ، وابن مسعود رضي الله عنهم ، فهم العمدة والعدول بخبر الله تعالى ، وعنهم أخذ التابعون ، وعلى نهجهم ساروا ، فمن عدل عن تفسيرهم إلى ما يخالفه كان مخطئا ، بل ومبتدعا ، لأنهم كانوا أعلم بتفسير كتاب الله من غيرهم ، وأورع ، وأتقى .
11- ينبغي أن تحصر الدراسة فيما تمكن القدرة عليه ، فالأفراد يمكن أن يقصروا بحوثهم فيما يتعلق بالاكتشافات فيما هو خاضع لتجاربهم المخبرية ، ليصلوا من خلال ذلك إلى الحق ، وللجامعات والمراكز والدول مجالات أكثر وأكبر .
12- ينبغي أن يعلم الباحث في هذا المجال أن كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم صدق وحق ، ولا يمكن بحال أن يخالف حقيقة علمية ؛ لأن منزل القرآن هو الخالق العالم بأسرار الكائنات ، قال تعالى : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/14، ومعرفة ذلك تقتضي منا التريث وعدم تحميل النص ما لا يحتمله من أجل أن يوافق ما نظنه حقيقة ، فإذا لم يتيسر ذلك بشكل واضح فعلينا أن نتوقف دون نفي أو إثبات ، ونبحث عن موضوع آخر ، والزمن كفيل بانكشاف الحق بعد ذلك .
13- على الباحث أن يتحرى الصدق والصواب وأن يخلص نيته لله في تبيين الحق للناس من أجل هدايتهم ، وأن يعلم خطورة ما يتناوله ، ويعبر عنه ، فهو عندما يقول: هذا المعنى هو الذي يشير إليه قوله تعالى : فهو يفسر كلام رب العالمين ، لذا يجب عليه أن يتذكر دائما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ) رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . (رقم/2950)، وضعفه الألباني في ” ضعيف الترمذي “.
14- ينبغي أن يتصف الباحث كذلك بالصبر ، مع توفر الكفاءة العلمية المكتسبة ، حتى يميز الحق من الباطل ، ويقبله ويلتزم بالموضوعية ، ومعناها هنا : حصر المعلومات ودراستها من غير تحيز لفكرة أو رأي سابق ، مع التقيد بالمنهج العلمي في التوثيق والاقتباس والإحالات” [3]
[1]– إما من حيث الثبوت كأن يكون حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً؛ و إما من حيث الدلالة بحيث لا يكون المقصود من الدليل الشرعي ما يزعمون!
[2]– ” مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ” (26/28) .
[3]– د. عبد الله المصلح” الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تاريخه وضوابطه ” (ص/30-37)
اترك رد