الطاقة الكونية عند الهندوسية
تسمي الطاقة الكونية و التي يروج لها المعالجين بالطاقة في وقتنا المعاصر ( بالبرانا ) و هي عندهم أصل نشأة الكون؛ و منها ظهرت الموجودات إلي الوجود.
” تؤكد التعاليم الهندوسية – وذلك ضمن منهج الـ ( سوترا ) – بأنك إذا تركت الشك يمتلئ بالجوهر وفي كل اتجاهات أبعاد جسدك المادي . عندها ستبدأ بالشعور بقيمة جوهر النَفَس وطاقة الـ ( پرانا ) الكاملة والشاملة لعموم الطاقات الكونية والمادية والأثيرية “[1]
للـ ( برانا ) الهندية قطبان : ” الأول إيجابي وهو الـ ( پِنغالا ) ( Pingala)والثاني سلبي وهو الـ ( إِدا ) [2] ( Ida -) ” فيما يشبه الـ ( ين يانغ ) في الطاوية . وقد اختلف الهندوس في أصل الـ ( پرانا ) على قولين :
1- أن الـ ( پرانا ) متولدة عن الـ ( براهمان )، وأنها وجود منبثق من عدم .
2- أن الـ ( پرانا ) أزلية بلا بداية ولا نهاية ، وهي موجودة قبل الوجود. [3]
وعلى كلا القولين فهي ليست شيئا مخلوقاً ، ووجودها إما متولد من العدم دون وعي أو إرادة كما هو السائد في الفلسفة الصينية ، أو هو وجود غير مسبوق بعدم أصلا مما يزيد الأمر خطورة ويزداد تعمقا في الشرك . [4]
كما نسبوا لهذه الطاقة الكونية وعياً و ذكاء و إدراكاً ” إنه يمثل مستوى من ” الوعي ” والإدراك يمُكِّن الإنسان من فكِّ الشفرة الكونية ومن ثم معالجة كل خلل عضوي في وظائف الجسد بالإضافة إلى المقدرة على حل كل مشكلة من مشاكل الحياة [5]
” إن هذا ” الوعي” المزعوم يمكن التوصل إليه بطرق مختلفة، منها التنفس بطريقة منتظمة وإيقاعية[6]. ومن خلال سريان الطاقة في الجسد وتنشيطها يتوصل المرء إلى منـزلة من الإدراك والاتصال بالقانون الكوني [7] تنكشف له عندها المعارف والحقائق المغيبة عن العوام . إن هذا الاتصال لا يكاد يختلف بشيء عن الـ ( موكشا ) والـ ( نيرڤانا ) عند الهندوس والبوذية ، أو عن ما يسمى بالفناء [8]عند غلاة الصوفية . “[9]
الطاقة الكونية عند الطاوية
“تحتل الطاقة الكونية مكانة هامة بين العقائد الطاوية، وهي ترتبط ارتباطاً كلياً بتصورهم الفلسفي للوجود، فهي المرحلة الأولية من مراحل نشأة الكون . لقد مر العالم الوجودي – وفقا لهذه الفلسفة – بأطوار متعددة قبل أن تتحدد معالمه التي نألفها اليوم . كان الطور الأول متمثلا في الوجود الفوضوي أو العدم، ثم تولد من العدم – ومن خلال حركات تحولية تلقائية – أول شكل من أشكال الوجود . هذا الوجود الأولي هو ما يعرف بالطاقة الكونية ( تشي ) ، والتي بدورها انفصلت وتمايزت إلى الـ ( ين يانغ )، ومن خلال تفاعلات الـ ( ين يانغ ) ومن بعدها العناصر الخمسة ظهر هذا الكون إلى الوجود[10].
يتضح جلياً أن هذه الفلسفة تحمل معانٍ إلحادية ولوازم كفرية، حيث تعزز فكرة الخلق الذاتي المستمر والمجرد من الإرادة العليا أو التأثير الخارجي، فهي تعتمد على مبدأ التلقائية، وفكرة الخلق بلا خالق .والطاقة الكونية ( تشي) هي جزء لا يتجزأ من هذه الفلسفة الشاملة ، وكل محاولة لإخراجها من هذا السياق هي تغييب للحقائق الثابتة عند من تصوروها و من ثم بنوا عليها كل تطبيقاتهم الحياتية بما فيها الطبية و الإستشفائبة وتجريد للمفهوم من موروثة الثقافي الذي لا يمكن فهمه إلا من خلاله؛ فكل محاولة لفصل هذا التصور العقدي و الإلتزام بالتطبيقات فقط هي محاولة فاشلة إذ بدون هذه العقيدة ينهدم التطبيق لزاماً .[11]
“وقد أشار لاوتزي – مؤسس الطاوية – إلى الطاقة الكونية ( تشي ) في كتابه الـ ( طاو طي جنغ )، فهي ” الواحد” المتولِّد عن الـ (طاو) ولذلك، فالمكوِّن الأساسي للحياة هو الطاقة في أنقى صورها؛ هذا ما أجمع عليه الطاويون منذ زمن شوانغ تزي المؤسس الثاني للطاوية.
صفات الطاقة الكونية ( تشي ) :
تتصف الطاقة الكونية بصفات تفضح حقيقتها ، و أنها ليست سوى تعبير شرقي عن عقيدة وحدة الوجود . ومن تلك الصفات ما يلي :
- أن طاقة ( تشي ) وُجدت قبل وجود العالم ، وكل موجود ليس إلا مظهرا من مظاهرها[12]، فهي تمثل الحقيقة المطلقة والوجود الكلي . و ” الطاقة تتمثل في كل شي، بل كل شيء طاقة، والمادة ليست إلا مظاهر بنسب مختلفة للطاقة “[13].
- توصف ( تشي) بأنها قوة ممتدة في الوجود ومتغلغلة في كل جزء من الزمان والمكان .
- لا يمكن إدراك الطاقة الكونية إلا من خلال الأشكال التي تتشكل بها، وعندما تفنى تلك الأشكال تعود ( تشي ) إلى صورتها الأصلية، أو تتحول إلى شكل آخر .
- عندما تتشكل ( تشي) بموجود مادي فهي لا توجد منفصلة عنه ، بل إنها تصبح الموجود ذاته .
- عندما تكون ( تشي) في حالتها الأكثر كثافة تصبح المادة ، وفي حالتها الأكثر خفة تكون طاقة .
- إن طبيعة ( تشي ) تعد سببا في التغيير سواء في الكون أو في الجسم البشري. ولذا ، فإنه لا يُنظر إليها كالمكون الأساسي للكون فقط ، بل على أنها المُدبِّر والمُحرِّك له كذلك ! [14]
قارن هذا بما يروج له الدربين و المعالجين بالطاقه في دوراتهم فلن تجد كثير اختلاف بين ما سُطر في عقائد الطاوية و بين ما يلقونه في هذه المحاضرات – بعد إستبعاد النكهة الإسلامية من الفاظهم –
تقول الأستاذة مها نمور :
أول ما يخلق الإنسان كأنه ربنا بيعطيه هدية هي هايدي الطاقة اللي بيعيش فيها، وهي اللي بتخلي كل جسمه يشتغل بالتوازن، أي خلل بالجسم بيكون ناتج عن خلل بالطاقة” [15]
” لقد وُظِّفت فلسفة الطاقة الكونية في مجالات عدّة، منها شفاء الأمراض وتصويب الحالات النفسية والاجتماعية، إلا أن الهدف الأهم والأخطر وراء هذه الفلسفة هو الوصول إلى وعي تحولي يسمح للسالك بمعاينة المنـزلة المنشودة من الحقيقة الروحانية، وهي الإحساس بالوحدة والارتباط بين كل موجود [16]وبشكل أدق ” الوحدة مع الروح الكونية والتي تقود إلى معرفة يقينية ثابتة بالمطلق “[17]. فمُبتدأ هذه الفلسفة الوحدة وانتهاؤها بالاتحاد ( ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ) (40)-النور
إن هذه الفلسفة الواحدية تتوافق إلى حد كبير مع معتقدات الصوفية، فـ” عندما يتحدث الروحانيون والصوفيون عن مقدرتهم الذاتية في وصفهم لأوضاعهم وكشوفاتهم الروحانية، يشددون على التشابه بين جميع الأشياء : أجساد من الطاقة، في كون من الطاقة، جميعها متشابكة ومترابطة ” [18] ولذلك، فقد استهوتهم هذه الأفكار الشرقية لما تتضمنه من المعتقدات والأهداف الباطنية المألوفة عندهم [19]، وراحوا يروجون لها في المجتمعات الإسلامية. ومن تأمل في الفلسفة ” المؤسلمة ” لم يجد بينها وبين الفلسفة الأصلية فرق – ولا حتى في المصطلحات – غير أنه قد أضيفت إلى النسخة ” الإسلامية ” معاني الخلق والتكوين المعدومة في الفلسفة الأصل دون تبرير مقبول لهذه الإضافة [20] بينما يبقى المصدر الرئيس لتلقي هؤلاء لمفردات الفلسفة وتفاصيلها هو من خلال الكتب الهندوسية والبوذية والطاوية دون محاولة منهم لإخفاء تلك الحقيقة المزعجة ! [21]
تقول الاستاذة مها نمور:
هذا الجسم الفيزيائي.
أحمد منصور:
المحسوس يعني.
مها نمور:
المحسوس هذا اللي نحن هلا عم بنشوفه.
أحمد منصور:
نعم.
مها نمور:
في جسم الأثيرة ياللي دُغري جاي فوق الجسم الفيزيائي، تالت جسم هو الجسم العقلي، وهاي الجسم العقلي كتير راح نحكي عنه، لأنه هايدا الجسم العقلي عنده قدرة Energy إنه يعزل الجسم عن الخارج، هون كيف بنفكر؟ كيف بنشوف الإشيا؟ كيف أحاسيسنا؟ كيف طموحنا؟ كيف حزننا على..؟ كيف ماضينا عايش فينا، كل هدا بيدخل بالجسم العقلي، لحتى يخليه يصير مثل (…) مثل شيء عازل كأنك حاطط هاي كيس نايلون عليك عازلك عن العالم، هدا الجسم راح نحكي عليه بعدين، بعدين، فيه الجسم النفسي اللي هو رابع جسم، وخامس جسم الجسم الكوني، كل هدفنا بالريكي.
أحمد منصور مقاطعاً:
أو العلاج بالطاقة.
مها نمور:
أو العلاجات بكل أشكال الـ Energy إنه الإنسان يخترق هو الأجسام فيوصل للجسم الكوني، اتصال.
أحمد منصور:
يعني لا يجعل هذه الأجسام المحيطة ببدنه الملموس عائقاً في أن تصله بالكون. “[22]
إن الطاقة الكونية – ببعدها الفلسفي الذي سبق الإشارة إليه – منتشرة في الكون كله بزعمهم، بل هي داخلة في كل ذرات الكون لا تنفصل عن أي من موجودات الكون و هذه هي عين عقيدة وحدة الوجود الفلسفية عند الأديان الشرقية و فلسفتهم في الطاقة الكونية و هذا ما يُروج له في بلادنا الإسلامية تحت تطبيقات العلاج بالطاقة
تقول مها نمور:
توجد الطاقة بكل العالم، كل الأشياء اللي بتتنفس فيها طاقة، الأرض.
أحمد منصور[مقاطعاً]
كل شيء حي فيه طاقة؟
مها نمور[مستأنفة]
الأرض مثلاً فيها طاقة، كيف ما لهيك بيسموها الأرض الأم، هي اللي بتعطينا الطاقة النابعة من الأرض، وبتطلع بالرجلين للجسم، الطاقة موجودة بالكون، نحن عايشين ببحر من طاقة، يعني كيف السمك يعيش ببحر نحن عايشين ببحر هدا الجو كله اللي نحن عايشين فيه مش بس أوكسجين وهواء، هدا فيه برانا، محل ما فيه شيء عم يتنفس حتى بالجسم هو فيه طاقة، بكل الحيوانات، بكل الأعشاب، بكل الأرض، كل الأشياء...”[23]
و الطاقة عندها هي سر الحياة و بالإنفصال عنها يموت الإنسان و كل ما علي الإنسان أن يعيها للإستفادة منها!!
تقول الأستاذة مها نمور: “أول شيء هذا اللي بنحكي عنه كل الحلقة إنه امتزاج الطاقة هو اللي بيعطي الحياة، كل.. كل انعزال عن هايدي الطاقة بيودي للموت، الطاقة الكونية موجودة بس المهم إنه يوعيها الإنسان، استعملها.. يعني الطاقة موجودة، العقل البشري كيف بيوظفها بتصير، هلا بالنسبة لجسم الإنسان مجرد إنه الإنسان يوعى إن جسمه..” [24]
تأمل و قارن …و أترك لك التعليق أيها القارئ
[1] – أسرار الطاقة : 157 – حكم الزمان
[2] – أعمدة اليوغا الثمانية : 200 – غطَّاس الحكيم
[3] – Brahma Sutras : chapter 2 section 4 topic 1 – Swami
[4] – التطبيقات المعاصرة
[5] – انظر : الشفاء بالطاقة الحيوية : ( 18 – 19 ) – د. أحمد توفيق؛ نقلاً عن المصدر السابق
[6] – حيث يعد الهواء وعاء للطاقة الحيوية أو الكونية ( أسرار الطاقة : 153 – حكم الزمان )
[7] – انظر : طاقة الكون بين يديك : 16 – مهى نمور
[8] – الفناء يطلق على ثلاثة معان :
1- الفناء عن وجود السِّوى : وهو فناء الملاحدة ، القائلين بوحدة الوجود ، وأنه ما ثم غير . وغايته الفناء في الوحدة المطلقة ونفي التكثر . وهو المراد في السياق أعلاه .
2- الفناء عن شهود السِّوى : وهو فناء ما سوى الله عن حس السالك ، دون فناء وجوده في الخارج .
3- الفناء عن إرادة السِّوى : مع بقاء الشعور والإدراك بوجوده ، وهو الفناء المحمود الذي كان عليه النبي r وأصحابه t .
مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين : 1 / ( 173 – 179 ) – ابن القيم ( مختصراً )
[9] – التطبيقات المعاصرة
[10] – The Tao of the West : 66 – J.J Clarke
Taoism : Growth of a Religion : 7 – Isabelle Robinet
[11] – التطبيقات المعاصرة بتصريف.
[12] – بل إن الآلهة المعبودة في الديانة الطاوية لا تتجاوز كونها مظهرا من مظاهر الطاقة الكونية وأحد تجسيداتها . انظر :
Lao-Tzu and the Tao Te Ching : 93 – edited by : Livia Kohn & Michael Lafarague
[13] – الوجوه الأربعة للطاقة : 11 – د. رفاه وجمان السيد ، وانظر طاقة الكون بين يديك : 16 – مهى نمور
[14] – المصدر السابق
[15] – برنامج بلا حدود قناة الجزيرة
[16] – New Age Spirituality : An Assessment : 150 – edited by : Duncan S. Ferguson
[17] – الكامل في اليوغا : 16 – سوامي فشنو ديفانندا
[18] – الشفاء بالطاقة الحيوية : 7 – د. أحمد توفيق
[19] – انظر : أسرار الطاقة : ( 20 – 21 ) – حكم الزمان
[20] – انظر : المرجع السابق : ( 17 ، 28 – 29 )
[21] – التطبيقات المعاصرة
[22] – برنامج بلا حدود قناة الجزيرة – العلاج بالطاقه –
[23] – المصدر السابق
[24] – المصدر السابق
اترك رد